ألم يسأل داوود ربه: يا رب كيف أصل إليك. فقال له ربه.. اترك نفسك وتعال.. أن يترك هذه النفس لأنها العقبة.. (( فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة)) (11 – 13 البلد)
لا انفكاك من هذه العقبة إلا بالانفكاك من طمعك.. فتفك الرقبة وتطعم المسكين وتؤثر غيرك على نفسك. ولذلك لم يطلب الإسلام من المسلم نبذ الدنيا وإنما طلب منه قمع النفس وكبحها وشكمها.. لأن النفس هي الأصل.. والدنيا مجرد أداة لتلك النفس لتختال وتزهو وتتلذذ وتستمتع.
إن النفس هي الموضوع وهي ميدان المعركة ومحل الابتلاء، والدنيا ورقة امتحانها، ومطلوب الدين هو الإرتقاء بهذه النفس والارتفاع بها من شهوات البطن والفرج ومن شهوات الجمع والاكتناز، ومن حمى الاستعراض والكبر والتفاخر ليكون لها معشوق أرقى هو القيم والكمالات، ومعبود واحد هو جامع هذه الكمالات كلها..
وإنما تدور المعركة في داخل النفس وفي شارع الدنيا حيث يتفاضل الناس بمواقفهم من الغوايات والمغريات وما تعرض عليهم شياطينهم من خواطر السوء ومن فرص اللذة كل لحظة.
ولم يطلب الإسلام من المسلم أن ينبذ الدنيا، بل طلب منه أن يخوضها مسلحا بهذه المعرفة، فالدنيا هي مزرعته وهي مجلى أفعاله وصحيفة أعماله.
وقدم له فلسفة أخرى في مواجهة الفلسفة المادية.. قدم له فلسفة استمرار وبقاء فهولن يموت ويمضي إلى عدم.. بل إلى حياة أخرى سوف تتعدد فصولا وتمضي به كدحا وجهادا حتى يلقى ربه: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) (6 – الانشقاق).