المولد والنشأة
في إحدى قرى مدينة "كش" ولد تيمور في (25 من شعبان 736 هـ = 8 من إبريل 1336م). ومدينة كش هي اليوم مدينة "شهر سبز"، أي المدينة الخضراء بالفارسية، وتقع جنوبي سمرقند في أوزبكستان.
عاش تيمور أيام صباه بين أفراد قبيلته "البرلاس" الأوزبكية.ويقال انه أمه من سلالة جنكيز خان وأتقن فنون الحرب الشائعة عند القبائل الصحراوية من الصيد والفروسية ورمي السهام، حتى غدا فارسًا ماهرًا، متقنًا لرمي السهام. ودخل في مذهب النصيرية على يد السيد بركة عندما التقى به في بلدة بلخ. وكان لبركة دوراً هاماً (في الفترات اللاحقة) في تشجيع تيمورلنك على غزواته وبخاصة مع تقتمش خان.
بداية الظهور
أول ما عرف من حال تيمور أنه كان لصا، فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليهرب بها، فآنتبه الراعي وضربه بسهم فأصاب كتفه، ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه وعمل فيه الجرح الثاني الذي في فخذه حتى عرج منه؛ ولهذا سمي تيمورلنك، لأن "لنك" باللغة الفارسية أعرج. ولما تعافى أخذ في السرقة على عادته وقطع الطريق، وصحبه في ذلك جماعة عدتهم أربعون رجلاً.
وعندما تُوفِّي "كازغان" آخر إيلخانات تركستان سنة (758 هـ = 1357م) قام "تغلق تيمور" صاحب "قشغر" بغزو بلاد ما وراء النهر، وجعل ابنه "إلياس خواجه" قائدًا للحملة، وأرسل معه تيمور وزيرًا، ثم حدث أن ساءت العلاقة بين الرجلين؛ ففرَّ تيمور، وانضم إلى الأمير حسين حفيد كازغان آخر إيلخانات تركستان، وتقرب إليه. ولا زال يترقى بعد ذلك من وظيفة إلى أخرى حتى عظم وصار من جملة الأمراء. وتزوج بأخت السلطان حسين.
ونجح الاثنان في جمع جيش لمحاربة إلياس خواجه، لكنهما لم ينجحا في تحقيق النصر، وفرَّا إلى خراسان، وانضما إلى خدمة الملك "معز الدين حسين كرت". ولمَّا علم الأمير تغلق تيمور بوجودهما بعث إلى معز الدين بتسليمهما له، غير أن تيمور وصاحبه هربا إلى قندهار ومنها إلى سيستان، فاحتال واليها وهاجمهما.
ثم عاود الاثنان جمع الأتباع والأنصار، ونجحا في مهاجمة إلياس خواجه، وتمكنا سنة (766 هـ = 1364م) من السيطرة على بلاد ما وراء النهر، ثم لم يلبث أن وقع الخلاف بين تيمورلنك وصهره، فقتل تيمور زوجته (أخت السلطان) وأنتصر على السلطان بالحيلة في معركة ضاغلغا. ودخل سمرقند في (12 من رمضان 771 هـ = 14 أبريل 1370 م)، وأعلن نفسه حاكمًا عليها، وزعم أنه من نسل جغتاي بن جنكيز خان، وأنه يريد إعادة مجد دولة المغول، وكوَّن مجلس شورى من كبار الأمراء والعلماء.
التوسع على حساب جيرانه
قام تيمور بتنظيم جيش ضخم معظمه من الأتراك، وبدأ يتطلع إلى بسط نفوذه، فاتجه إلى خوارزم، وغزاها أربع مرات بين عامي (773- 781 هـ = 1372- 1379 م)، نجح في المرة الأخيرة في الاستيلاء عليها وضمها إلى بلاده، بعد أن أصابها الخراب والتدمير من جراء الهجوم المتواصل عليها، وفي أثناء هذه المدة نجح في السيطرة على صحراء القفجاق، والتي تمتد بين سيحون وبحيرة خوارزم وبحر الخزر (بحر القزوين).
ولَمَّا اضطربت أوضاع خراسان سنة (782 هـ = 1380 م) بعث ابنه ميران شاه، وكان في الرابعة عشرة من عمره، فنجح في السيطرة على إقليم خراسان كله، وبحستان وأفغانستان، ثم اتجه في سنة (787 هـ = 1385 م) إلى مازندران، فاستسلمت دون قتال، ثم انطلقت جيوش تيمورلنك تفتح أذربيجان، وتستولي على إقليم فارس، وتُغِير على أصفهان التي كانت قد ثارت على نوابه، وبلغ عدد القتلى فيها سبعين ألفًا، أقام تيمورلنك من جماجمهم عدة مآذن.
وفي سنة (790 هـ = 1388م) هاجم "توقتمش" ملك بلاد القفجاق (بلاد ما وراء النهر)، وحرص أهالي أذربيجان على الثورة ضد تيمورلنك، وأعلنوا ولاءهم لتوقتمش، ونتيجة لتفاقم هذه الأحداث توقف تيمورلنك عن التوسع، واتجه إلى أذربيجان لقمع الثورة، وما كاد يصلها حتى فرَّ توقتمش، ودخل تيمورلنك خوارزم، وأحلَّ بها الخراب والتدمير إلى الحد الذي لم يعد فيها حائطٌ يُستراح تحت ظله، وظلت خرابًا خالية من السكان حتى أمر تيمورلنك بإعادة تعميرها سنة (793 هـ = 1391م).
ولَمَّا كرَّر توقتمش هجومه مرة أخرى على بلاد ما وراء النهر في سنة (791 هـ = 1389م) تعقَّبه تيمورلنك حتى أرض المغول وصحراء القفجاق وهزمه هزيمة منكرة.
غزو موسكو
ولَمَّا رجع تيمورلنك ظافرًا من صحراء القفجاق سنة (794 هـ = 1392 م)، وقد تخلص من توقتمش، أناب ابنه "ميرنشاه" في حكم خراسان، وحفيده "بير محمد" في حكم غزنة وكابل، وقصد إيران في (رمضان 794 هـ = أغسطس 1392 م) لإخماد الثورات التي شبَّت بها، وظل هناك خمس سنوات مشغولاً بقمع تلك الثورات. وتُسمَّى حروبه هذه بـ"هجوم السنين الخمس"، وبدأ حروبه بإخضاع "جرجان" و"مازندان"، ثم اتجه إلى العراق فخرب "واسط" و"البصرة" و "بغداد" و"الكوفة" وغيرهم، ثم واصل سيره فخرب ديار بكر وبلاد أرمينية والكرج (جورجيا)، ثم أراد مهاجمة الشام سنة 798هـ، فسمع بأن الملك المملوكي الظاهر برقوق قد خرج بجيش كبير من مصر فرجع إلى بلاده خائفاً. ولمَّا سمع بهجوم توقتمش على بلاده، توجه إليه على جناح السرعة، وهاجم بلاده وأنزل به هزيمة كبيرة، وبعد ذلك زحف في نحو مئة ألف جندي واحتل موسكو لمدة عام واحد].
فتح الهند
كان تيمورلنك قد بلغ الستين عاماً، لكن هذا لم يوهن من عزيمته في مواصلة الغزو. ولم يركن إلى الراحة والخلود إلى ما حققه من قوة ونفوذ، والتمتع بمباهج الجاه والسلطة. فلما سمع بموت فيروز شاه ملك الهند من غير ولد وحصول اضطرابات بعده، استغل فترة الضعف هذه، وعزم على غزو الهند متذرِّعًا بأن التغلقيين يتساهلون مع الهندوس في أمر الإسلام! وانقضَّ بجيشه الجرار على قوات محمود تغلق في (7 من ربيع الآخر 801 هـ = 17 من ديسمبر 1397م)، وأنزل به هزيمة ساحقة، واحتل "دلهي" عاصمة دولة "آل تغلق"، وقام بتدميرها وتخريبها. وبلغ من بشاعة التدمير أنها لم تنهض مما حلَّ بها إلا بعد قرن ونصف القرن من الزمان. وعاد تيمورلنك إلى سمرقند محمَّلاً بغنائم وفيرة، ومعه سبعون فيلاً تحمل الأحجار والرخام التي أحضرها من دلهي، ليبني بها مسجدًا في سمرقند. وبينما هم في ذلك بلغ تيمور موت الملك الظاهر برقوق صاحب مصر، وموت القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس من بلاد الروم، فرأى تيمور أنه بعد موتهما ظفر بمملكتيهما، وكاد أن يطير بموتهما فرحاً، وعاد إلى بلاده فوراً تاركاً فوضى عظيمة.
حملة السنوات السبع
صورة نصب تيمورلنك في شهر شبز في أوزبكستانلم يمكث تيمورلنك طويلاً في سمرقند بعد عودته الظافرة من الهند، واستعد للخروج ومواصلة الغزو، وانطلق في حملة كبيرة سُميت بحملة السنوات السبع (802- 807 هـ = 1399- 1405 م) لمعاقبة المماليك لمساعدتهم أحمد الجلائري خان بغداد في حربه ضد تيمورلنك، وتأديب السلطان العثماني "بايزيد الأول" سلطان الدولة العثمانية الذي كان يحكم شرق آسيا الصغرى.
وبدأ تيمورلنك غزواته باكتساح قراباغ بين أرمينيا وأذربيجان فقتل وسبى. ثم توجه إلى تفليس عاصمة الكرج (بالقوقاز) ونهبها في جمادى الآخرة سنة (802هـ = 1399 م) ثم توجه إلى سيواس في 5 المحرم من سنة 803هـ، وقبض على مقاتلتها وهم ثلاثة آلاف نفر، فحفر لهم سرداباً وألقاهم فيه وطمهم بالتراب، ثم وضع السيف في أهل البلد وأخربها حتى محا رسومها. ثم سار إلى "عينتاب" ففتحها، واتجه إلى حلب، فسقطت بسبب رفض مماليك مصر مساعدة أهل الشام نتيجة صراعهم على الحكم. وبلغ عدد القتلى فيها عشرين ألفاً والأسرى أكثر من ثلاثمئة ألف.
وبعد عمليات النهب والحرق والسبي والتخريب التي قام بها تيمورلنك وجيشه اتجه إلى حماة والسلمية، ولم يكن حظهما بأحسن حال من حلب، وواصل زحفه إلى دمشق التي بذل أهلها جهودًا مستميتة في الدفاع عن مدينتهم، لكن ذلك لم يكن كافياً لمواجهة جيش جرار يقوده قائد محنك، فاضطروا إلى تسليم دمشق. ولمَّا دخل تيمورلنك المدينة أشعل فيها النار ثلاثة أيام حتى أتت على ما فيها، وأصبحت أطلالاً. وبعد أن أقام بها ثمانين يوماً، رحل عنها مصطحبًا أفضل علمائها وأمهر صُناعها، واتجه إلى طرابلس وبعلبك فدمرهما. وعند مروره على حلب أحرقها مرة ثانية وهدم أبراجها وقلعتها. ثم دمر ماردين.
واتجه تيمورلنك بعد ذلك إلى بغداد، وكانت تحت حكم الدولة الجلائرية؛ فهاجمها هجومًا شديدًا، ودمر أسوارها، وأحرق بيوتها، وأوقع القتل بعشرات الآلاف من أهلها، ولم تستطع المدينة المنكوبة المقاومة فسقطت تحت وطأة الهجوم الكاسح في أيدي تيمورلنك. وألزم جميع من معه أن يأتيه كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهل بغداد. فكانت عدة من قتل في هذا اليوم من أهل بغداد تقريباً مئة ألف إنسان. وهذا سوى من قتل في أيام الحصار، وسوى من قتل في يوم دخول تيمور إلى بغداد، وسوى من ألقى نفسه في الدجلة فغرق، وهو أكثر من ذلك.
أسر السلطان العثماني
ولم تُشبِع هذه الانتصارات طموح تيمورلنك الجامح وإسرافه في الغزو وشغفه بفتح البلاد والمدن، فانطلق في سنة (804 هـ = 1402 م) نحو آسيا الصغرى فاقتحم "سيواس" والأناضول، واصطدم بالدولة العثمانية الفتيَّة.
واستعد بايزيد لملاقاة الغازي الجامح الذي تقدم بجيش جرار قوامه 300 ألف جندي، وبعد أن استولى على سيواس التقى بالجيش العثماني بقيادة بايزيد الأول في معركة هائلة عُرفت باسم "معركة أنقرة" في (19 ذي الحجة 804 هـ = 20 يوليو 1402 م)، وانهزم بايزيد هزيمة ساحقة، ووقع في الأسر هو وأحد أبنائه، ولم يتحمل السلطان العثماني ذل الأسر فمات كمدًا في (15 شعبان 805 هـ = 10 مارس 1403م)، في مدينة "أمد شهر"، حيث كان تيمورلنك عائدًا بأسراه إلى عاصمته سمرقند.
الاستعداد لغزو الصين
ولم يكد يستقر في سمرقند حتى أعد العدة لغزو الصين في خريف (807 هـ = 1404م)، وكان الجو شديد البرودة حين خرج لغزوته الأخيرة لكنه عاند نصائح اطباءه واستمر بحملته، وعانى جيشه قسوة البرد والثلج، ولم تتحمل صحته هذا الجو القارس، فأصيب بالحمى التي أودت بحياته ويقال مات بفعل مستحضر معمول من تقطير الخمر صنعه له اطبائه بناء على اوامره ليقاوم البرد حيث اذاب كبدده في (17 من شعبان 807 هـ = 18 من فبراير 1405م)، بعد أن دانت له البلاد من "دلهي" إلى دمشق، ومن بحيرة آرال إلى الخليج العربي، وبعد وفاته نقل جثمانه إلى سمرقند حيث دفن هناك في ضريحه المعروف بكور أمير، أي مقبرة الأمير.