-مكان مغلقٌ لا يظهر منه شيء، زجاجُه أسود "فاميه" لا يُظهر ما بداخله؛ يخرج منه دخان كثيف، معلق على باب الدخول صور لمغنيين وممثلين أجانب أو أعلام فرق ومنتخبات أوروبية.
إنها سيبرات النت أو الـ"نت كافيه" التي تحوَّلت من أماكن للمعرفة ونشر الثقافة ومحو الأمية التكنولوجية إلى أماكن لا يُسمح بدخولها إلا للشباب والفتيات من هم دون الـ18 عامًا.
خضنا تجربة دخول واحدٍ من هذه السيبرات المشبوهة التي يستفز شكل المكان من الخارج أي شخصٍ يمر من أمامها، تعرفنا على ما يحدث بداخل هذه الأماكن، خاصةً بعد الثانية عشرة ليلاً.
وكانت البداية مع كثافةِ الدخان الخارج من أفواه الشباب والبنات معًا، اتضح بعد ذلك أنها ليست سجائر فقط، ولكنها تتطور في الكثير من الأحيان مع بعض الأشخاص إلى البانجو والمخدرات.
مكان واسع جدًّا؛ ديكوره يشد انتباه مَن يدخله، مليء بالأشكال الجميلة المبهجة لمَن يراها، صادر من أحد أركانه موسيقى هادئة أحيانًا وصاخبة أحيانًا أخرى حسب الأغنية التي يستمتع بسماعها صاحب السيبر، به ما يقرب من 20 جهازَ كمبيوتر؛ كلها مشغولة، ولا يوجد جهاز يمكنني الجلوس عليه، فانتظرت ما يقرب من عشر دقائق حتى يقوم أحد مستخدمي الكمبيوتر لأجلس مكانه.
كان وقتًا كافيًا جدًّا لكي أتابع كل واحد، وماذا يفعل أمام جهازه، ورأيتُ في البداية لافتةً مكتوبًا عليها "ممنوع دخول المواقع الإخبارية والإسلامية".
الكل يستخدم النت إما في الألعاب أو مشاهدة الأفلام، وبين هذا وذاك مَن يتصفح المنتديات ومواقع المطربين والفنانين.
لكن الأغلبية في هذا المكان يفعلون أحد أمرين، إما مشاهدة الأفلام الإباحية، أو الاتجاه إلى الشات، وهم الغالبية، وكانت زجاجات البيرة هي القاسم المشترك بين أغلب شباب السيبر الذي كنت فيه؛ حيث يُقدِّم هذا السيبر مشروباتٍ لزواره؛ من ضمنها هذه البيرة.
فتحنا حوارًا مع أحد الأشخاص في السيبر، ويُدعى هاني، فأخبرنا أنه يرتاد هذا المكان يوميًّا ويفضله عن باقي السيبرات المجاورة؛ لأنه يُقدِّم له خدمة متميزة بدون إزعاج، وبسؤاله عما يقضي وقته فيه على الإنترنت ردَّ قائلاً: "الشات".
بنت أخرى في العشرينيات من عمرها تشاهد أحد الأفلام وأمامها زجاجة بيرة، سألتها عن كيفية عمل الشات وما المواقع التي يمكنني أن أدخل عليها حتى أقوم بالشات، فقامت بعمل الشات في دقائق ورجعت لاستكمال مشاهدة الفيلم.
دقائق معدودة وسألني أحد الشباب الموجودين في السيبر عن "ولاعة أو كبريت"، فأخبرته أني لا أدخن، فتبعه آخر يسألني: "ماذا تريد أن تشرب؟" فسألته عمَّا يقدموه وماذا يمكنني أن أشربه عندهم، فردَّ عليَّ وهو يغمز بإحدى عينيه قائلاً: "كل حاجة موجودة.. اللي أنت عايزه موجود" أومأتُ قليلاً وطلبتُ منه "حاجة ساقعة"، فردَّ عليَّ بالسؤال مرةً أخرى عن نوعِ هذه "الحاجة الساقعة"؛ مياه غازية.. بيرة.. ولا إيه؟!!.
تصفح المواقع الإباحية مباح والإسلامية محظور!!
تلفتُّ يمينًا ويسارًا، ووقعت عيني على إحدى الفتيات التي كانت أشبه بفتاةِ الليل تتصفح أحد المواقع الإباحية؛ الفتاة التي لا تجد مَن يقول لها: "ماذا تفعلين؟ ولماذا تشاهد هذه المواقع؟" لم تجد إلا أن تناديَ على أحد العاملين وتطلب منه مشروبها ليحضره لها، وهو زجاجة من البيرة "المشبرة" وطبق فيه ترمس وحمص وشرائح من الخيار والطماطم.
وكان طبيعيًّا أن تحدث مشاجرة في هذا الجو الخانق بين صاحب السيبر وأحد الزبائن والذي يتصفح موقع (الجزيرة) الإخباري؛ حيثُ سمعتُ صوت صاحب المكان يصرخ ويقول: "إنت عايز أمن الدولة تيجي تاخدنا ولا إيه؟!".
وعند الخروج من هذا المكان رأيتُ شخصين أمام باب السيبر يتحسَّسان أية حركةٍ غريبةٍ وكأنهما "ناضورجية" يقفان لإبلاغ مَن بالسيبر في حالةِ قدومِ أيٍّ من شرطةِ الآداب أو المصنفات.
وبعد هذه التجربة يبقى السؤال: "لماذا تُفتح مثل هذه الأماكن؟ ولماذا تستمر؟ وأين الشرطة والرقابة؟!!".. توجهنا إلى العديد من الخبراء لتحليل الظاهرة الكارثة والتماس حلولٍ لها.
ترويج الجنس
في البداية تقول ناني عادل (باحثة بجامعة الزقازيق، وتعد ماجستير في أثر السيبرات على المجتمع المصري) إنها قامت بالعديد من المغامرات في مثل هذه الأماكن، وشاهدت الكثيرَ من الأفعال الشاذة عن المجتمع المصري، خاصةً في السيبرات الخاصة بالبنات فقط، والتي يُسمح بداخلها بممارسةِ العديد من التجاوزات لا تقتصر فقط على مشاهدة المواقع الإباحية فحسب، بل يمكن أن تصل إلى ممارسةٍ جنسيةٍ حيَّة عبر الكاميرا أو بين الفتيات الموجودات في السيبر الواحد.
كما أكدت أنَّ أغلب الشباب الذين يمتلكون هذه الأماكن من خريجي الجامعات ومن أصحاب المؤهلات العليا، وأنهم لجئوا إلى العمل في هذا المجال لسهولةِ إنشائه وربحه العالي، وأنَّ رواده أيضًا من الشباب المتعلم الذي يخرج إلى السيبر لعمل الشات أو للألعاب، فضلاً عن أن الجزءَ الأكبرَ من الشباب لا يدخلون عالم الإنترنت إلا بهدف مشاهدة المواقع والأفلام الإباحية.
وعن الدور الرقابي أشارت إلى أن هناك جهازًا رقابيًّا على هذه الأماكن يتمثل في مخبرين سريين متنكرين في دور الشباب؛ أغلبهم يتم ترضيتهم من أصحاب السيبرات عن طريق الأموال أو المخدرات لعدم إبلاغ وزارة الداخلية والاتصالات عليهم وعلى مَا يمارسونه.
د. صلاح عبد المتعال
وعلى الصعيد الاجتماعي أكد الدكتور صلاح عبد المتعال أستاذ علم الاجتماع ومستشار العلوم الاجتماعية والجنائية أنها ظاهرة ليست بالجديدة، ولكنها تنتشر بصورةٍ فظيعة عندما تجد أن أغلب الشباب والفتيات يلجئون إلى سيبرات الإنترنت بعد الثانية عشرة ليلاً لتفريغ شهواتهم بعيدًا عن الرقابة المنزلية، في الوقت الذي وجدوا فيه مكانًا يسمح لهم بهذا، بل ويُشجِّع عليه أحيانًا بتوفير بعض التسهيلات والإجراءات لهؤلاء الشباب كي يفعلوا ما يريدونه بلا قيود.
واستنكر عبد المتعال تصرُّف الحكومة المصرية تجاه هذه الظاهرة، والتي لا تتدخل فيها شرطة الآداب وتترك كل شابٍ وكل فتاة يفعلان ما يشاءان، مشيرًا إلى أنه ليس هناك أي نوعٍ من أنواع الرقابة على مثل هذه الأماكن المشبوهة- سواء من الجهات الإدارية أو السيادية- التي يجب أن يكون عليها دور رقابي من المصنفات الفنية، فضلاً عن وجوب منع المواقع الإباحية والجنسية من المنبع وعدم السماح بتصفحها من مصر.
كما استغرب منع بعض هذه الأماكن تصفح المواقع الإخبارية والإسلامية والمواقع المعارضة، مشيرًا إلى أن هذا مخالفٌ للقانون، ومن حقِّ أي من مستخدمي الإنترنت مقاضاة صاحب السيبر قانونًا.