يتفاضل الناس بحسب جودة افكارهم , وصفاء بصائرهم , وسعة معارفهم , وسماحة أخلاقهم , وسمو هممهم , وصحة عزائمهم , وصلاح اعمالهم , وقد تجرى المعاملات بينهم على حسب تفاضلهم فى هذه الخصال والشئون .
أما المساواة بينهم التى يلهج بها أنصار الحرية , ويتوقف عليها انتظام السياسة , وبها يستتب الامن فى البلاد , فهى أن يكون الناس فى عصمة دمائهم واموالهم واعراضهم , وفى التمتع بكل ما هو حق لهم على سواء .
والسياسة لا تجرى على ذلك النحو الا ان تكون قائمة على رعاية المساواة فى التشريع والقضاء والتنفيذ , ومعنى هذا ان يكون الناس فى نظر واضع القانون والقاضى به والمنفذ له فى منزلة واحدة .
ونحن لنجد ان التشريع الاسلامى قد راعى فى تقرير الحقوق المصالح العامة , من غير نظر الى احوال الطوائف والطبقات .
ومن هنا كانت الاحكام الواردة فى صيغ خاصة محمولة على العموم , كالاحكامالواردة فى خطاب الرجال تتعداهم الى النساء ,والاحكام الواردة فى خطاب اشخاص باعينهم تتعداهم الى سائر من هو اهل للتكليف , كما هو مقرر فى علم اصول الفقه " فكل خطاب منه (صلى الله عليه وسلم )لواحد فيما يفتيه به ويعلمه اياه , وهو خطاب لجميع امته الى يوم القيامة .
ومن ذلك نذكر موقفا للفاروق "عمر " حيث روى ان " جبلة بن الايهم " لطم رجلا من بنى فزارة وطىء ازاره وهو يطوف , فهشم انفه ,
فاستدعى الفرازى عليه " عمر " فقال " عمر " يا " جلبة " اما ان ترضى الرجل , واما ان اقتص منك,
فقال " جلبة " : كيف وهو من السوقة وانا ملك ؟
فقال " عمر " : ان الاسلام جمعك واياه , فلست تفضله الا بالتقى والعافية ! ففر " جلبة " ليلا , وعاد الى نصرانيته .
وعندما سمع احد ممن يتحدثون فى السياسة قام بنقد " عمر " وعده مخالفا لما تقتضيه السياسة من تاليف رؤساء الاقوام للاسلام
ولكننا بحكم اسلامنا نرد على ذلك بان فى قوله هذا نظرة عجلى , واخلاص "عمر " للشرع الحكيم وحرصه على تقرير الامن فى البلاد , هما اللذان امليا عليه ان يحكم بما حكم , وانا يعزم على تنفيذ ما امر الله تعالى به .
وكذلك ايضا كانت سيرة القضاه العادلين , فقد حكم " ابو يوسف " ليهودى فى قضية رفعها على الخليفة " هارون الرشيد
وحكم " ابن بشير " قاضى قرطبة لتاجر خامل فى قضية رفعها على الخليفة " عبد الرحمن الناصر "
ومثل ذلك الكثير والكثير من القصص والمعانى التى وردت الينا من سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم جميعا والتى بينت لنا عناية الاسلام بالمساواه وحرصه على تطبيقها وتحقيقها لجميع افراد المجتمع وذلك تطبيقا لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " انما اهلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليع الحد وانى والذى نفسى بيده لو انا فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "