هنون مشرفة
عدد الرسائل : 2222 تاريخ التسجيل : 30/07/2008
| موضوع: أمتنا بين الإساءة والإحسان 16/12/08, 04:50 am | |
| إساءة المسلمين إلى أنفسهم ودينهم بالغة الشدة ,وقد تتابعت هذه الإساءات واتسع نطاقها في العصور الأخيرة وفشت بين الخاصة والعامة جهالات غريبة بالدين وجهالات أغرب بالحياة العامة فإذا الأمة التي بقيت دهراً في طليعة مرموقة تراجع القهقرى وتلاحقها الهزائم ويهون وجودها عليها وعلى الآخرين..إنها ما أحسنت العمل بحقائق دينها ولا بشؤون دنياها فلم يبقَ بد من مواجهة هذه العقبة والتصدي لحلها. إن الذي يجهل قواعد اللغة العربية لا يحسن البيان والذي يجهل أركان الصلاة لا يحسن العبادة وكذلك الجاهل بشؤون الحياة لا يحسن الإفادة منها ولا التفوق فيها.والعلم ضربان:علم مصدره الوحي وهو محصور الدائرة واضح الحدودوعلم مصدره النشاط الإنساني ومكابدة الحياة نفسها واستكشاف قواها وأسرارها وهو علم واسع الدائرة رحب الآفاق.بالنسبة للنوع الأول فحسب المرء أن يدرس ما أنزله الله في كتابه وبينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته ليعمل به العمل الصحيح.أما النوع الآخر فإن الله ترك أمره مفتوحاً لعباده فلم يرسل لنا وحياً يعلمنا فنون الصناعات والحرف وإنما تركنا وشأننا نتكلف ذلك ثم نوجه ما نملك من أمور الحياة الوجهة الصالحة ونسخره لدعم الرسالة التي اصطفانا بها. ومن المؤسف أن أقدام المسلمين زلزلت في كلا المنحيين فوعيهم لكتاب الله وسنة رسوله ضعيف وفقههم لظواهر الحياة وبواطنها أضعف وتوجيه الحياة وخبراتها وملكاتها لخدمة دينهم أشد ضعفاً..وليس من العبادة انتظار نجدة السماء لتغيير هذه الأحوال. إننا من الناحية العامة بشر كسائر البشر لنا ما للناس من أسماع وأبصار وأفئدة فلماذا تتعطل حواسنا وأفكارنا وتنطلق حواس الناس وأفكارهم في كل مجال؟؟لماذا تمس أصابعهم الأشياء فتجود وتمسها أصابعنا فتضطرب؟؟لقد كان الناس عالة على آبائنا في النواحي الأدبية والمادية معاً فما الذي اعترانا حتى أصبحنا لا نحسن استخراج المعادن من أرضنا ولا بناء السدود والجسور على أنهارنا ولا تشكيل الآلات وتركيبها في مصانعنا ولا حتى تطويع أدوات الحرب والسلم وفق حاجتنا؟؟؟؟؟الحق أن القدرة على الإحسان أعوزتنا وأن أسباب هذه القدرة في أيدينا لو أردنا.. إن الله أحيا المسلمين على هذه الأرض كما أحيا غيرهم من الأمم وقد إن كان قد اختصهم بوحي سماوي جليل القدر بعيد الأثر فهو سبحانه لم يختصهم بعرفة أرضية ترجح كفتهم على سواهم,عليهم أن يعانوا في ذلك ما يعانيه غيرهم وأن ينتفعوا بتجاربهوكل تفريط في هذا الميدان معناه أولاً انخفاض مستواهم الفكري والمادي ومعناه آخراً قصور الوسائل التي تنجح رسالتهم وتحقق غايتهم.. وعندما ينضم إلى هذا العجز عوج في فهم الدين نفسه واسترخاء في إجابة عزائمه فهنا الطامة......... إن للإحسان جزاءين أحدهما آجل في الآخرة ولا كلام لنا فيه الآن,والآخر عاجل تلقاه الأمم في حاضر أمرها وتبلوه عياناً ,قال تعالىللذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) يونس 26,27(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) الإسراء7 والإحسان كلّ لا يتجزّأ كما أن الصدق مثلاً لا يتجزأ فليس صادقاً من يتعمد الكذب في نصف أخباره ويتحرى الصدق في نصفها الآخر بل من الصعب أصلاً التصديق أن فضيلة الصدق قد وجدت في نفسهوليس محسناً من تراه في نصف أعماله رديء التصرف غبي السلوك وفي نصفها الآخر مُجيداً مستحب السيرة. وفي الأعمال الدنيوية فإن الإحسان له صورة واحدة يعرفها المؤمن والكافر على سواء إذ أساس الإحسان فيها إيقاعها وفق القوانين المقررة لها في دنيا الناس,فالجراح التي يجريها طبيب مسلم هي ذاتها التي يجريها غير المسلم من حيث الحكم عليها وتقييمها من الناحية العلمية البحتة ووصفها بالحسن أو السوء لا مرجع له سوى العلم الذي تقوم على أساسهأما الفارق بين صدورها من مسلم أو غيره فهو أن الشخص المسلم لا تفوته في أي عمل نية الخير ولا تنفك عنه صلته بالله وقصد وجهه فيما يعمل ويترك. وخلاصة القول أن صورة العمل المشتركة لا تفاوت فيها بين المسلمين وسواهم إنما الاختلاف آتٍ من الصورة النفسية الباطنة بين هذا وذاك.والمسلم من الناحية الدينية لا يسمى محسناً إلا إذا استجمع كلاً من الكمال الحسي فيما أدى من عمل والصفاء النفسي (أي الإخلاص لله) فيه ,وليس يُقبل منة بتة (مهما صلحت نيته) أن يسيء أو يقصر أو يتجاوز اتكالاً على هذه النية الكاملة.فإذا شارك المسلمون غيرهم في أحوال الحياة وشؤون الدنيا وفق هذه القواعد فيجب ألا ننسى شيئاً آخر انفردت به الجماعة الإسلامية وهو العبادات المحضة التي كتبها الله عليهم وطالبهم بأدائها.إن الإحسان أن نقوم بها كافة على الوجه المشروع كما علمنا صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام متحرين التأسي به والتزام سنته ,وقد شرح القرآن الكريم أن الإحسان بهذا الشمول طريق التمكين في الحياة وملئها باليمن والبركة. يقول تعالىإنه من يتقِّ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) يوسف 90هذه الآية يجب أن تكون في السلوك الاجتماعي قانوناً علمياً كالقوانين المقررة في علوم الرياضة والأحياء,فالإحسان لا يضيع غرسه ولن يتخلى الله عن أصحابه مهما كبت بهم الحظوظ وتعثرت المراحل الأولى.وليس الإحسان جلوة ذهن طبيعته الغفلة أو يقظة نفس طبيعتها الركود بل هو ملكة تتكون من حب الإتقان وهواية الكمال وإدمان الذكر لله وطول الشعور بمحبته . وإذا كانت الإجادة العلمية تتطلب مزيداً من الدراسة والخبرة (لأن شؤون الحياة دائمة التطور والتغير) فإن الجو النفسي يتطلب صحواً دائماً وتعوداً على الطاعات والفضائل وولعاً بما يرضي الله. وطرق الإحسان كثيرة ولكن من يطيقها؟؟؟إنها تتطلب العزمات وتحمل الشدائد والصبر الجميل والهمم العالية والجهاد الدؤوب وصاحب هذه الخصال أهل لأن يبسط الله عليه كنفه ويلهمه رشده. يقول تعالى:(إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين) الأعراف 56(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) النحل 128(والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) الزمر 33,35والآية الأخيرة تفيد أن المحسن ليس معصوماً من الخطأ ,ربما كان له ماضٍ فتاب منه وربما ساورته وساوس تجعله يُلمّ بما ليس في طبعه ولكن الإشراق الذي يغمر حياته بالنور لا يتعكر لغيمة عابرة ويبقى فضل الله عليه أوسع وأجلّ ... إن أمتنا للأسف أفراداً وجماعاتٍ تعاني من التخلف في ساح الدنيا والأخرى على السواء وهي قد تزعم وتتمنى..بيد أن سنن الله في كونه لا تغلبها المزاعم والأماني... لا طريق لمجد الدارين إلا أن تباشر كل عمل وهي تحس أن الله عليها شهيد وأنها يجب أن تبلغ من الإتقان في ذاك العمل مداه وفق ما شرع من وحي سماوي أو وفق ما وضع من قوانين طبيعيةذاك معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) | |
|
سما2000 المراقب العام
عدد الرسائل : 5444 العمر : 47 تاريخ التسجيل : 22/05/2008
| |
خالد الاشموني مشرف
عدد الرسائل : 5477 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 09/05/2009
| موضوع: رد: أمتنا بين الإساءة والإحسان 23/07/09, 12:17 am | |
| | |
|