مطاردة الخوف

موضوع: مطاردة الخوف 12/11/08, 10:03 pm

هنا لك عدد من المشاعر التى يمكن لها أن تطغى علينا إلى درجة تُغرق كياننا

وتحطم شخصياتنا وتجعل حياة الواحد منا غير محتملة تقريبا . لا بل انها قد
تتعدى هذة الحدود لكي تجعل حياتنا غير محتملة بشكل مؤكد قد يفضي بنا
إلى درجة الإنتحار أو القتل . إذ كثيرا ما تكون هذة المشاعر هي السبب
الرئيسي المؤدي إلى مثل هذة الحوادث. وهذة المشاعر هي على وجه
التحديد : الكراهية والإنتقام والغيرة والشعور بالذنب, كل ذلك بالإضافة إلى :
" الشعور بالخوف " الذي هو موضوع هذا الفصل . هذة المشاعر هي على
الدوام مدمرة للسعادة واحيانا كثيرة هدامة للحياة ذاتها . إنها هدامة للحياة
بالمعنى الجسدي والعقلي والوجداني المر الذي يستدعي منا أن نناقش تأثير
بعض هذة المشاعر وربما كلها في مواضع أخرى من هذا الكتاب. أما في
هذا الفصل فلسوف نركز بحثنا على مقارعة الخوف .

لو تسنى لك التحرر من الخوف – كل أنواع الخوف : من أي شيء كان ومن
أي إنسان كان – إذا لكانت حياتك أفضل بكثير . أليس كذلك ؟ حسناً .. ففي
الدقائق التالية سنضع بين يديك الوسائل الكفيلة بحذف الخوف من حياتك إلى
الأبد . أولاً بإستدراج هذة المخاوف من مخابئها وجرها إلى العلن حتى يتسنى
لك إلقاء القبض عليها . هذا الإقتراح قد يبدو مستهجنا من قبل الناس الذين
يكون خوفهم شديد الوضوح والواقعية والتحديد . بحيث أن الروع الناتج عنه
يطاردهم ليل نهار وتتقطع له قلوبهم هلعاً ورعبا ....مهلاً... فبعد قليل
سنتخلص منه بسهولة . إن المخاوف الدفينة والمموهة هي المسؤولة الأساسية
عن معظم الشرور . والسبب الوحيد في خطورة هذة المخاوف : إنما يكمن
في كونها مخبوءة وغير ظاهرة إلى العلن . لهذا دعونا نبدأ حملتنا في تعقب
المخاوف ومطاردتها والكشف عنها .

لكل واحد منا كما تعرفون عقل واع ٍ . وهذا العقل الواعي هو مصدر
إحساسنا بكل شيء يوجد أو يدور حولنا . وهو المسؤول عن تفكيرنا
الصاحي وهو يخضع لتوجيهاتنا وسيطرتنا الشخصية كما أنه يخضع لإرادتنا .

كذلك لكل واحد منا كما تعرفون أيضا عقلاً باطنياً يعمل على مستويات
أعمق . وهو لا يقتصر دوره على تشغيل آلياتنا الجسدية اللاإرادية ( كالتحكم
في ضربات القلب وعملية التنفس وميكانيكيات أعضاء الجسد المعقدة
الأخرى ) . لكن هذا العقل الباطني إياه وبما هو جزء من العقل الكوني
الفعال هو الذي يدير حركة العالم والأكوان بكاملها . هذا العقل الباطني أيضاً
هو الذي يستدعي ويعكس إلى الواقع صورتنا التى نتصورها عن أنفسنا .
( أي الصورة التى جعلنا عقلنا الباطني يعتقد أننا نريد أن نكون عليها ) .

وبالتاكيد فإن الأوصاف السالفة الذكر عن كل من عقلنا الواعي وعقلنا
الباطني هي أوصاف مبالغ في شدة تبسيطها . لكنني مع ذلك أريد أن أحددها
لأن حملة مطاردة الخوف إنما ستأخذ مجراها في حقل العقل الباطني
بالذات . لو كانت مخاوفنا كامنة في عقولنا الواعية – وبعضها يكمن هناك
فعلا . لما كان عندنا أي صعوبة في إكتشاف أمر هذة المخاوف والتعرف
عليها ثم القيام بحذفها كما سيأتي شرحه . أما عندما تكون مخاوفنا مزروعة
في عقولنا الباطنية الغامضة الأغوار فإن من شأن هذة المخاوف ساعتئذ ٍ
. أن تكون إما مخبوءة بعمق أو متنكرة بغلافات غريبة . لهذا علينا أن ننبش
عن هذة المخاوف وأن نجردها من أقنعتها وأن نستدرجها إلى نطاق عقلنا
الواعي حيث نستطيع هناك أن نتخلص منها بسهولة . وفي العادة إنك تستطيع
أن تجد هذة المخاوف الدفينة بنفسك . والآن وبعد أن عرفت أن هذة
المخاوف تكون عادة متخفية ومموّهة في مطاوي عقلك الباطن : فإنه ليس
من أهداف هذا الكتاب أن يتابع الغوص في التفاصيل . إن مهمته تقتصر على
توجيه انتباهك إلى ضرورة الكشف عن هذة المخاوف المستترة ومطاردتها
في مكامنها. وأن تبدأ وتقوم أنت بعملية المطاردة هذة بنفسك وعلى طريقتك .

إن بعض الأعراض التى تساعد على تشخيص وجود المخاوف المستبطنة
هي :
1- الإنسحاب من النشاطات العادية .

2- مشاعر القلق التى ليس لها مبرر واضح .

3- التوتر غير الواضح السبب .

4- الأمراض النفس – جسدية " psychosomatic illnesses "

وهذة الأخيرة : هي أمراض حقيقة بما فيه الكفايه . مع انها ليست ناتجة عن
سبب جسدي حقيقي. لكنها عادة شكل من أشكال الإنسحاب . وهذة الأمراض
تشكل سبباً لأكثر من نصف رقم زيارات المرضى الذين يقصدون كافة
الأطباء وكافة المستشفيات – إن الأرقام في ارتفاع دائم . وما يهمنا تأكيده
هو إن أياً من هذة الأعراض أو من الأعراض المتشابهة لها : إنما تشير إلى
وجود مخاوف مقنعة أو دفينة جاثمة في أغوار العقل الباطني . وفي خلال
مطاردتك للخوف : عليك أن تتجاهل الأعراض التي يتخفى هذا الخوف
وراءها . وأن تحاول أن تقتفي آثار السبب الأصيل لهذا الخوف الحقيقي
بالذات . بعد أن صرت غير مخدوع بالأعراض التى يتخفى هذا الخوف
وراءها . إنك غالباً ما تكون قادراً على اكتشافه . اسحبه من مكمنه إلى العلن
ومزق عنه الأقنعة التي يتغلف بها وتعامل معه كأي خوف عادي والغ
وجوده إلى الأبد بواسطة الطرائق التى سنأتي لاحقا إلى شرحها . وإذا لم
تستطيع أن تقوم شخصياً . بالكشف عن هذة المخاوف المغلفة بأي وسيلة :
فما عليك سوى طلب مساعدة متخصصة من عالم نفسي أو طبيب نفساني
. وفي كل حال فإن الأمر المهم هو أن تعرف ماهية الخوف الذي تتعامل
معه . ثم أن تقوم بحذفه مستعملا واحداً أو أكثر أو حتى جميع التقنيّات
التالية :

1- تعمد بكامل إرادتك ودون تردد القيام بالشيء الذي تخشاه .

كن متنبهاً إلى أنك تقوم بعمل الشيء الذي تخشاه بكامل قصدك وإرادتك ودون أي تردد . لا تقم بذلك بخنوع بل بجسارة كاملة ! وربما ساورك بعض التوجس في البداية ...حسنا... لا تتجاهل هذا الشعور بالتوجس أكّد عليه ... ثم قم عمداً ودون تردد : بتنفيذ الشيء الذي تخافه . اضحك في وجه الخوف اسخر منه ... انظر إليه بعينين مفتوحتين . اركله بقدميك .دُس هامته بنعليك .... ودائما حافظ على إحساس يقظ بأنك إنما تفعل كل ذلك عمداً... ليذهب الخوف إلى الجحيم...فإنك فاعلٌ ذلك مهما كلف الأمر .

2 – كرر عمل الشيء الذي تخشاه مراراً وتكراراً !

عليك على وجه التحديد أن تُهلك الخوف . إذا أردت التسمية العلمية لهذة العملية فإتها تدعى : أسلوب استنزاف الخوف " fear exhaustion method " . ومهما كان اسم هذة التقنية : فإنها تقوم على تكرار القيام بعمل الشيء الذي نخشاه حتى لا نعود نخافه أبداً ولو في أقل مقدار .

3- قهقة في وجه الخوف !

إن الشيء الوحيد الذي لا يطيقه الخوف : هو أن تضحك عليه أن تسخر منه أن تعامله بإزدراء أن تجعل منه هزأة وألعوبة . طيلة الوقت . وأن تقوم بذلك على الدوام بكل تعمد ودون أي تردد .

4- كن مؤمناً بالقضاء والقدر !

إنني لأتذكر قصة قاطع الطريق الذي تورط كما يحصل له دائما في قتال مع أفراد عصابة منافسة لعصابته . وفي ليلة من الليالي : قُتل اثنان من مرافقيه في العصابة واحد عن يمينه وآخر عن شماله وذلك إثر تعرض عصابته لإطلاق نار من كمين نصبته لهم العصابة المنافسة . وبقي صاحبنا حياً سالماً بإعجوبة . ثم في وقت لاحق عندما سأله الصحافيون : " ألا تخشى أن تنال العصابة المنافسة منك مقتلاً في البمرة القادمة ؟ " . هنا اكتفى الرجل بهز كتفيه دون اهتمام وقال : " كلٌ منا سيرحل يوماً عندما يأتي أوانه بطريقة أو بأخرى " . لقد كان عازما ً على تقبل الموت والحياة على السواء عندما وكما يأتي أي منهما . ولم يكن عنده ذرّة خوف من كليهما .

5- احتكم إلى قانون الإحتمالات .

يعلمنا قانون الإحتمالات أن معظم الأشياء التي نخشاها لا تحصل أبداً. إن فرضيات حصول أو عدم حصول الأشياء التى نخشاها راجحة جداً لمصلحتنا . ومن السخف إذاً أن نحيا حياتنا محاصرين بالخوف . ما من أحد تتحقق له شروط السلامة المطلقة في أي زمان أو مكان . حسنا أن نكون آمنين إلى درجة معقولة فهذا أفضل بكثير من أن نكون خائفين إلى درجة غير معقولة .

6- اجمع الحقائق وتأكد منها.

إن ما نعنيه بالضبط هو الحقائق فقط وليس الآراء ! إن معظم المخاوف ترتكز في أساسها على غريزة الخوف من المجهول . وعندما تعرف عزيزي القارئ كل ما ينبغي معرفته عن جميع أسباب هذا الخوف : فإنك ستجد أن مخاوفك تتبدد تحت الضوء الساطع لهذة المعرفة .إن معظم الناس الخائفين .. إنما يخافون من مواجهة الحقيقة . فالمرء يخاف من أن يتأكد له أنه مصاب بمرض عضال أو ان الشريك يقيم علاقة غير مشروعة مع شخص آخرز أو أن هذا الشخص مهدد بخسارة وظيفته . لهذا السبب فإنه يتوجب وعلى الفور تطبيق قاعدة : " تحقق من الأمر الذي تخافه " . احصل على الحقيقة على كل الحقيقة التى تخشى انكشافها . فإكتشاف العلة في بداياتها : كثيرا ما اسفر عن انقاض حياة المرضى . تحري يا سيدتي عن ماهية علاقة زوجك مع امرأة أخرى . وهل في الأمر أي قدر من الحقيقة أم مجرد نميمة ؟ فإذا كان الأمر حقيقة : فخذي استشارة قانونية من محام . أو استشارة اجتماعية من أخصائي علاقات أسرية . لا تتركي الخوف والشك يأكلان قلبك .بادري إلى عمل شيء بناء ومعقول حيال الأمر . ولسوف يتبدد خوفك تحت ضوء الحقيقة .

وإذا كنت عزيزي القارئ خائفا من فقدان وظيفتك تحقق من الأمر ممن عنده الخبر اليقين رئيسك .أسأل إذا كان هناك أي شيء تستطيع أن تقدمه أو تفعله للبقاء في هذة الوظيفة ؟ إذ لربما لديك أخطاء قابلة للتصحيح . إن رئيسك سيقدر لك مبادرتك المباشرة . أما إذا تبين أن خسارتك للوظيفة هو أمر محسوم ولا مفر منه : فمن الأفضل لك أن تعرف في وقت مبكر لكي تباشر دون إبطاء في البحث عن عمل جديد أفضل .

تذكر هذين العلاجين الناجعين لمعالجة الخوف :

- تحقق من الوقائع بسرعة .

- وبادر إلى فعل إيجابي على الفور .

7- اجعل نفسك محصنا من الخوف .

يمكنك إقفال الباب أمام الخوف عن طريق نشر شبكة شعورية مناعية

يكون من شأنها القيام بردة فعل طاغية وإيجابية إزاء أي خوف

تستشعر وجوده . وبهذا تجعل من نفسك محصنا من الخوف .
وأعطيك عزيزي القارئ ما حصل معي بالذات مثلا ً على ذلك : لقد

ترعرعت في صغري في حي سكني حيث كنت طيلة الوقت عرضة

لمضايقات الأولاد الذين يكبرونني سنا وحجما . وهذا الأمر زرع في

عقلي الواعي والباطني ( حتى عندما كبرت ) الخوف من أن الآخرين

قد يستأسدون علي ويعاملونني بالشدة وأنني إذا قاومتهم ولو بخنوع :

فمن الممكن لهم أن ينهالوا علي بالضرب .

وهكذا قررت أن أجعل من نفسي شخصاً محصناً من الخوف عن

طريق تعلم الملاكمة ثم رياضة الجودو ثم الجودو المتقدمة ثم الكاراتيه

ثم الآيكيدو ثم السافيت ثم رياضة الياوارا...وأخيرا فن القتال المميت :

الكونغ فو . وهذا يعني أنني صرت قادراً على الدفاع عن نفسي إلى

اعلى درجة يمكن أن يكون عليها أي إنسان . وحتى بعد ان تقاعدت :

فإنني ما زلت أهتم بلياقتي البدنية عن طريق التمارين اليومية

مستعملاً ألعاب الجمباز وأجهزة الشد العضلي الديناميكي ورفع

الأثقال . إن هذا البرنامج اليومي لا يعود علي بالفائدة الجسدية فقط بل

الفائدة الذهنية والنفسية أيضا . لقد جعلت نفسي محصنا من الخوف

في مجال الدفاع عن النفس فتجاوز تأثير ذلك ثقتي بعضلاتي إلى ثقتي بقواي الذهنية وتوازني العاطفي.

إن عملية تحصين نفسك ضد الخوف في أي حقل من الحقول التى قد

تلمس فيها شيئا من بذوره : إنما هي عملية لا تفي بغرض دحر

الخوف فحسب بل تعود بالنفع أيضاً على مجمل شخصية الإنسان .

خذ رياضة السباحة على سبيل المثال : لنفترض انك تخاف الغرق في

الماء عليك حينئذ أن تمضي وقتا طويلا في الماء قبل أن تطمئن إلى

أن سلامتك متوفرة فيه كما لو أنك جالس في البيت ولا يساورك أي

خوف . الجأ إلى مدرس سباحة قدير . حاول أن تصبح حاذقاً في

جميع أنواع السباحة خصوصا السباحة تحت الماء . تعلم فن الغوص وفن الحصانة من الغرق " drown-proofing "

الذي اصبح يدرس الآن بواسطة جمعية الصليب الأحمر وبعض

الجامعات . وهو في الحقيقة فن يقوم على أساليب بسيطة للمحافظة

على الجسم طافيا بأمان فوق سطح الماء إلى عدد غير محدود من

الساعات . وفجأة ستشعر بالأمان في الماء كما لو انك واقف على

اليابسة . هكذا ستكون قد صرت محصنا من الخوف من الماء من

جهة : وتكون قد اكتسبت خبرة السباحة التى تضفي ممارستها على حياتك المتعة طيلة العمر من جهة أخرى .

8- ليكن إيمانك بالله عميقاً .

ليس غرض هذا الكتاب التطرق إلى معتقداتك الدينية الخاصة ولا حتى إلى عدم اعتقادك بالدين . لكن أي بحث في أمر مطاردة الخوف : لن يكون مكتمل الحلقات دون الإعتراف أن الأفراد الذي أُتقذوا من براثن الخوف إنما تم لهم ذلك عن طريق الإيمان الديني الثابت أكثر مما تم عن أي طريق آخر.

بهذا نقارب على اختتام هذا الفصل حول .... مطاردة الخوف " . فإذا
قيض لك عزيزي القارئ أن تستعمل واحدة أو أكثر أو حتى جميع هذة الطرائق التى تقدم شرحها من أجل إزالة أحد أو جميع
مخاوفك ...فسوف تكون بذلك قد أزلت واحدة من أكبر العقبات والأعباء في حياتك . ولسوف يكسبك هذا شعورا بالحرية والقوة . ستشعر بالفعل أنك أصبحت إنساناً غلاباً ...أجل غلاباً وقاهراً للخوف .

...تعليق :

إن هذا الخوف الذي يسكننا في كثير من الأحيان عند تصرفاتنا الحياتية وحتى مع اقرب الناس إلينا نتيجة ترسبات من ماضي عشناه أو خلل في
التربية السلوكية هو الذي كثيرا ما يعيق تحركاتنا نحو النجاح على الصعيد
الشخصي أو العلمي أو العملي أو الأسري او الإجتماعي بشكل عام وقد لا
ندرك كنهه في أحيانا عدة إلا بعد نتعثر مرات ومرات لذا كان من الواجب
على كلا منا أن يفتش عن مكمن الخلل للتغلب على هذة المخاوف التى تعتريه
احيانا وتعيق تحركه وفي مقال الكاتب ما يفيد ذلك.

موضوع: رد: مطاردة الخوف 12/11/08, 10:33 pm

» لماذا الخوف
» الخوف حياة
» الخوف شعار العارفين
» أدعية يتعوذ بها عند الخوف من التعرض للأذى
» علاج الخوف الذي يطرأ عند الامتحان