منتـــديـــات الامـــــــــل والحيــــــــــــاة
منتـــديـــات الامـــــــــل والحيــــــــــــاة
منتـــديـــات الامـــــــــل والحيــــــــــــاة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتـــديـــات الامـــــــــل والحيــــــــــــاة


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 لو كنت على الضفة الاخرى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سما2000
المراقب العام
سما2000


عدد الرسائل : 5444
العمر : 47
تاريخ التسجيل : 22/05/2008

لو كنت على الضفة الاخرى Empty
مُساهمةموضوع: لو كنت على الضفة الاخرى   لو كنت على الضفة الاخرى I_icon_minitime08/11/08, 10:18 pm

ثرثارة، في كل الحالات! و أجهشَ في الضحك.. حتى لاحت دمعاتٌ في عينيه وأخذت تقطرُ من الجانب الأيسر لوجهه بشلالٍ غير منقطع.. طوّقني بأحرفي، و بدأ يشدُّ عليَّ زمامها حتى ضجرَت حثالتي الصامتة بكل المكان الذي كنا فيه..


ثرثارة..

و الصدى يدقُّ مسامير تردداتهِ على جدران الدهشةِ في وجهي و يتركُ آثاره العميقة ليراها الآخرون دون مجاهر أو نظاراتٍ طبية..

ثرثارة.. في كل الأوقات؛ وكان حينها معي في الطريق الرئيسي للبيت، الصراصير تنبعث من صرير الخوف في قلبي، و تملأ الشوارع والأزقة.. الليل متمادياً في إطباقهِ على الأضواء فيصيب كل شيء بالحلكة.. و الظلال التي تشكِّلنا تتبرّأ منا في تلك اللحظة و تركضُ تركضُ فاردةً شعرها الغجري، خالعةً خُفَّها ذي الإصبع لتكون حافيةً و هي تمسحُ ما كان ورائنا من أمكنةٍ قطعناها بحبال من الصمت الثقيل، الصمت الذي يوازي حدّ الثرثرة التي تميّز الشبيهات هُنا..

وحدها الخُطى.. كانت تثرثر دون أن يؤلمها أحدٌ بقَرصةٍ أو تنبيه، كانت تنتهجُ موسيقاها و تطرَبُ بها، دون أن تقيس المسافةَ بين احتمال الآذان التي تنصت في هدأت الليل إليها والآذان التي أضجرها الكلام..

كان الوقت الذي انتهجهُ للكلام محدداً "ساعةً واحدةً فقط" ثمّ يسكت بحياد! كأنما لا أحرف جديدة تصيغ لغةً محكية.. يصمت ليدعَ غيوم الأقاويل تحوم حولي كشياطين وأشباح تختالُ في مجوني و تعجُّ رأسي بقيلٍ و قال و صمتٍ مبحوحٍ كفراغ!

يصمتُ بثرثرةِ الساعةِ في وسط الحائط الذي يُقيم الغرفةَ، بثرثرةِ الدم في عروق كلينا، بثرثرةِ الداخل التي لا تتوقف كالوجع الخَلْقي في جسد كل إنسان مذ بُعِثَ حتى يموت، بثرثرةِ أسئلتي التي غفت شاحبة في صدري فأعطتهُ شعوراً بالورم.

لم يكن الأمر سهلاً، أن يخصص وقتاً للكلام، و أن يلتزم بما أراد!.. لكني لم ألتزم يوماً بما أريد، كنت أسرق من مساحات حريتي مع نفسي بعض الوقت، كنت آخذ من عمري أوقاتاً إضافية لأتكلم بما أريد و أتخلّص من شحنات الكلمات المكهربة في حلقي، حتى و إن اكتفيتُ بسماعها وحدي، كأن أتكلم أثناء نومي، و هذا ما كان يحدث غالباً بعد أن يلتزم بما أراد، و لا ألتزم أنا بما أريد..

"الكلمات كبيرة، أعمارها أكبر من الوقت!" استنتجتُ ذلك من كل محاولاتي في أن أنتهي من فكرةٍ تثيرني في وقته المحدد، الوقت يُسرع في الانتهاء! و أنا أكون في السطر الأول من الكلام.. حيث تصير كل الأسطر الأخرى مساحات شاسعة من الصمم، أصبح بكماء مرتدة عن ذاتي إلى ذاتي، أهوي من ثقبٍ إلى آخر في جدرانِ حيرتي، فأصلُ إلى حيث الصمت المدقع الذي تنطلقُ من جوفهِ كل الأصوات بأعنف مما يحتمل، و بأشهى مما ترقصهُ الخطى في عبورها من قارعةٍ إلى أخرى في شارعٍ ما و هي تثرثرُ بأعصابٍ من حرية غير محددة بوقت..

كان الأمر يقتضي ساعاتٍ كاملة من الصمت!

لم أكن بالتي تحسن الالتزام بذلك.. ثرثارة من منظوره الشخصي، منظومتي تقول أني عاديّة! أحب الكلام عن أي شيء حدث لي، أو أمامي أو خلفي أو معي، إليه، أحب أن أفتعل الحديث، و يحب أن يفتعل الصمت..

فيما ردة الفعل الخانقة تعتمر جلدي بعروق حميراء صغيرة، يعتمر وجهه بابتسامةٍ تنقلبُ إلى قهقهةٍ صاخبة تهز أركان أُذُنَيْ، و يتطرَّقُ بعدها إلى مواضيعَ كثيرة تصيبني بالدهشةِ حدَّ أن أفغر فمي وأبحلق عينَي بما يتقوله من حديث..

أجذبُ حبال صمتي بعناءٍ مُلاحَظ، و أتركهُ نائماً يكمل ما لم ينهيهِ من قصص لم أعد أسمعها... و أمضي إلى دربي محمومةً به! الطريقُ هادئاً كان، حتى أنّ حذائي لم يصدر أي صوت، الصمت من حولي يشيب له الكلام، و الضفة الأخرى للرصيف لا تعطيني إرادةً بالمشي أكثر، تخورُ عزيمتي، فأعود أدراجي إليه، أحدّثه عن كل ما لم نتطرق له في حياتنا السابقة، و أُحدِّثُ نفسي بثرثرةٍ جُوَّانيَّة ::"لو كنتُ على الضفةِ الأخرى للرصيف.. لقطفتُ لكَ ياسمينة!".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لو كنت على الضفة الاخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتـــديـــات الامـــــــــل والحيــــــــــــاة :: المقالات المميزة والرائعة :: مقالات مميزة-
انتقل الى: