سقطت على الأرض مغشيا عليها .. ليست المرة الأولى .. فهي تعاني من إرهاق نفسي متواصل منذ أن تزوجت قبل سنتين ..
لقد أخبروها أنه رجل طيب .. وفيه خير .. تستطيعين التأثير عليه لكي يتدارك أمور دينه .. ويحافظ على الصلاة مع الجماعة .. وأنت يا بنيتي .. قد تزوجت أختك الصغرى قبلك .. وأعتقد أن هذا هو الأصلح لك .. وأصرت أمي على الخاطب .. فهو ميسور الحال .. ومن عائلة معروفة .. ومركزه الوظيفي جيد ..
كنت أحلم أحلم بمن يوقظني للصلاة في جوف الليل .. ودموعي تتساقط أن يرزقني الرجل الذي يعينني على الطاعة وأعيش معه على مرضاة الله .. نسير سويا متجهين إلى الله .. نقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطيبين .. كنت أحلم بالرجل الذي يربي أبنائي تربية إسلامية صحيحة .. كأنني أقف بالباب أرمقه هو وابني وهما ذاهبان إلى المسجد .. دعوتت الله أن يتردد على مسامعي قول زوجي : كم حفظت اليوم من القرآن ؟ وكم جزء قرأت ؟ أحلم أنني أقف بطفلي أمام الكعبة وأدعو له .. سأنجب أكبر عدد من الأأبناء طالما أن في ذلك اجر.. وأنني سأخرج للدنيا من يوحد الله .. طالما حلمت الأحلام الكثيرة .. ولطالما متعت نفسي بتلك الأحلام .. الحمد لله على كل حال .. احتسبت الأجر وصبرت على زوجي .. في البداية كان ينهض للصلاة .. ومع مرور الأيام بدأ يتثاقل .. ماذا تريدين ؟ الله غفور رحيم .. سأصلي .. الوقت مبكر ..! هذا هو الرد السريع عندما أحثه على صلاة الجماعة حتى لا تفوته ..
أحس أنه يتغير مع إلحاحي إلى الأفضل .. على الأقل هذا ما أتفاءل به .. كنت أخشى رفقاء السوء فقد حدثني عن بعضهم .. أصبحت أخشى عليه من تأثيرهم .. فكرت في طريقة مجدية أكثر من نصحي له .. لماذا لا أعرفه على الشباب الصالح ..فقد يتأثر بهم .. زوج صديقتي شاب طيب وملتزم وصالح إن شاء الله .. أسرعت للهاتف .. رحبت صديقتي بالفكرة وشجعت زوجها .. أخبرته أن صديقتي ستأتي ومعها زوجها .. بعد أسبوع زارتني صديقتي هي وزوجها .. قلبي يرجف من الفرح .. عسى الله أن يلقي في قلبه حبه .. كلما طال وقت الزيارة كلما زادت دقات قلبي .
ودّعت زميلتي عند الباب .. رجعت إليه مسرعة .. جلست أضغط على أصابعي بقوة .. أنتظره يقول شيئا ! نظرت في عينيه فقال : لقد كان لطيفا وذو خلق عال .. ولكنه لم يبد حماسا للقائهم وللذهاب لهم كما وعدهم بردّ الزيارة .. حاولت بشتى السبل والوسائل .. أن أعينه على المحافظة على الصلاة في المسجد الآن مع إلحاحي بعد أن أنجبت منه ابنا .. أسهر الليالي الطويلة لوحدي .. هو يقهقه مع زملائه وأنا أبكي مع طفلي .. أكثرت من الدعاء له بالهداية ..
قررت أن أصلي الليل في غرفتنا بجواره عسى أن يستيقظ قلبه .. أحيانا يستيقظ ويراني أصلي .. وفي النهار ألاحظ عليه أنه يتأثر من صلاتي وطولها .. مساء ذاك اليوم أخبرني أن أجهز له ثيابه .. سيســافر .. غلأى المدينة الفلانية في رحلة عمل .. لا أعرف صدقه من غيره ؟ غالبا يسافر ولا يتصل بنا.. أحيانا أخرى يتصل ويترك رقم هاتفه وغرفته .. إذا اتصل عرفت أين هو .. لكن أحيانا كثيرة لا أعلم أين يذهب ..ولكنني أحسن الظن بالمسلم إن شاء الله ..في مدة سفرته سأخصه بالدعاء ..في اليوم التالي لسفره .. اتصل بنا .. هذا رقم هاتفي .. الحمد لله ..اطمأننت أنه في المملكة .. انقطع صوته ثلاثة أيام ..وفي اليوم الرابع .. أتى صوته .. لم أكد أعرفه .. صوت حزين .. مابك ؟ سأعود الليلة إن شاء الله .. في تلك الليلة لم أنم من كثرة بكاءه .. ماذا جرى لك ؟ .. أخذ في البكاء كالطفل !
ثم تبعته في البكاء وأنا لا اعلم ماذا به .. وبعد فترة سادها الصمت الطويل .. أخذ ينظر إلي .. والدموع تتساقط من عينيه .. مسح آخر دمعة وقال : سبحان الله .. زميلي في العمل .. سافرنا سويا لإنجاز بعض الأعمال .. ننام في غرفتين متجاورتين لا يفصلنا سوى جدار واحد .. تعشّينا ذلك المساء .. وعلى المائدة .. تجاذبنا أطراف الحديث .. ضحكنا كثيرا .. لم يكن بنا حاجة إلى النوم .. تمشينا في أسواق المدينة .. لمدة ساعتين أرجلنا لم تقف عن المشي .. واعيننا لم نغضها عن المحرمات .. ثم عدنا وافترقنا على أمل العودة في الصباح للعمل لإنهائه .. نمت نوما جيدا .. صليت الفجر عند الساعة السابعة والنصف .. اتصلت عليه بالهاتف لأوقظه .. لم يرد .. كررت المحاولة .. لعله في دورة المياه .. شربت كوبا من الحليب كان قد وصل في الحال .. اتصلت مرة أخرى .. لا مجيب .. الساعة الآن الثامنة وقد تأخرنا عن موعد الدوام .. طرقت الباب .. لا مجيب .. ! اتصلت باستعلامات الفندق لعله خرج ؟
ولكنهم أجابوا أنه موجود في غرفته .. لا بد أن نفتح لنرى .. أصبح الموقف يدعو للخوف !!! .. أحظروا مفتاحا احتياطيا للغرفة .. دخلنا الغرفة .. إنه نائم .. يا صالح ..
ناديته مرة أخرى .. رفعت صوتي أكثر وأنا أقترب منه .. نائم ولكنه عاض لسانه .. ومتغير لونه .. ناديته .. اقتربت أكثر .. لا حراك .. التقرير الطبي يقول : أنه مات منذ البارحة بسكتة قلبية مفاجئة .. أين الصحة .. والعافية .. والشباب .. البارحة كنا نسير سويا .. لم يشتك من شيء .. ليس به مرض .. ولم يشتك من مرض أبدا .. أعدت حساباتي .. هذا موت الفجاءة لا تعرف متى سيأتي .. بل بدون مقدمات ..سألت نفسي لماذا لا أمون أنا صالح .. ماذا سأواجه الله به .. أين عملي ؟ماذا قدمت ؟.. لا شيء مطلقا .. عرفت أنني مقصر في حق الله ..
سكت زوجي .. بكى وأبكاني .. وبكينا سويا.. حمدت الله على هذه الهداية..
وأخبرني أننا سوف نذهب لأداء العمرة