مدرسة الصحابة
حمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين أما بعد :
فالحياة بالنسبةللإنسان مدرسة يتعلم فيها الأخلاق والمعاملات والعبادات وكثيرة هي المدارس التييتعلم منها المسلم فمن مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المراقبة والقيام والوحدةالإسلامية وغيرها إلى مدرسة الشتاء الذي قيل عنه إنه فاكهة المسلم لأنه يقصر فيهالنهار فيسهل فيه الصيام ويطول فيه الليل فيسهل عليه القيام . ومن هذه المدارس التيأغفلت عند كثير من الناس هي مدرسة الصحابة ذلك الجيل العظيم الذي صحب نبينا محمدصلى الله عليه وسلم فنحن نحبهم ونسأل الله أن يجمعنا بحبهم في جنته لذلك سوف نتطرقفي هذه العجالة إلى بعض الدروس التي نستفيدها من مدرسة الصحابة .
* نستفيد من الصحابة محبة النبي صلى الله عليهوسلم وضربوا لنا أروع الأمثلة في حبه عليه الصلاة والسلام يقول الكافر لما رجع إلى أصحابه ( أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلىالله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بهاوجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلمخفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له )
يقول عمرو بن العاص ( وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى اللهعليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولوسئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) (عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهمافغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابنأخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئنرأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزنيالآخر فقال مثلها قال فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناسفقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه فضرباه بسيفيهماحتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكماقتله فقال كل واحد منهما أنا قتلت فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفينفقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح!
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ) هؤلاء هم صغار الصحابة .
كان الصحبة رضوان اللهعليهم يفدون رسول الله بأنفسهم ( عن الزبير بن العوام قال كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة فقالسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة ) .
في معركة أحدعندما انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنس في الحديث الذي رواهالبخاري (فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم منسهام القوم نحري دون نحرك )* نستفيد منالصحابة سرعة استجابتهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الواحد منهم يأخذالنص لينفذ ويعمل مباشرة دون أي تردد حتى ولو كان العمل ضد هوى الواحد منهم (عنمعقل بن يسار أن زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلمفكانت عنده ماكانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العده فهويها وهويته ثمخطبها مع الخطاب فقال له : يالكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليكأبدا آخر ما عليك قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تباركوتعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن – إلى قوله – وأنتم لا تعلمون ) فلما سمعها معقل قال سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك ) .
وكذلك أبو بكر لما حلف بعدما وقع بعض الناسفي بنته عائشة رضي الله عنها حتى ذاقت المر وبكت حتى انقطع بكائها وجف دمعها وكانمن اللذين تورطوا في هذه القضية مسطح ( قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منهوالله لا أنفق على مسطح شيئاً أبد بعد الذي قال على عائشة فأنزل الله ( ولا يأتلأولو الفضل منكم – إلى قوله – غفور رحيم ) قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفرالله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا )* نستفيد من الصحابة الصدق مع الله لا كذبولا إخلاف عهد مع الله ( عن شداد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلىالله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوهإليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء بهإلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا قال قسمته لك قال ما على هذااتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخلالجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي بهالنبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى اللهعليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفنه النبي صلى الله عليهوسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيماظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلكفقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك )
عرف الالتزام عرف التطوع عرف الهداية قل ما شئت لكن المسألة والله العظيم فيالنهاية شيء واحد الصدق مع الله فقط. .* نستفيد من الصحابة أن قراءتهم للقرآن كانت مؤثرة ( فابتنى مسجدا بفناء دارهفكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منهوينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلكأشراف قريش من المشركين )
وكذلك مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحتبالقرآن ولم تفتح بالسيف والسنان عندما فتحها مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم .* نستفيد من الصحابة ترك الدنيا لأجل العلم أبو هريرةيقول (أالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنتلأشد الحجر على بطني من الجوع ) كل ذلك من أجل العلم لذلك سطرت دواوين الحديث خمسةآلاف حديث لأبي هريرة وأكثر من روى الحديث أبو هريرة ويقول : لقد رأيتني وإني لأخرفيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا عليفيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي إلاالجوع.
* نستفيد من الصحابة التواضع فإن هؤلاء الصحابة الفقراءلما إنفتحت عليهم الدنيا وجاءتهم الغنائم والمناصب لم يتغيروا ولم تتبدل نفوسهمولما جاءت خزائن كسرى وقيصر لم تتبدل نفوسهم.