بسم الله الرحمن الرحيم شهر رمضان من الأشهر التي يتفضل الله فيها على عباده بمضاعفة الحسنات ورفع الدرجات لدرجة أن من تقرَّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، أي أنه ينال أجراً مضاعفاً وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء· ولذلك فهو فرصة عظيمة للتزود بالروحانيات التي يحتاج إليها المسلم في هذه الحياة ليصل إلى نهاية الأمر: جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وهذا هو المقصود الأسمى من الصيام (لعلكم تتقون) البقرة:183، وهذه الفرصة لا تُتاح إلا إذا كان الصائم مقتدياً في صيامه بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم· إلا أن بعض المسلمين نسوا أو تناسوا أو أهملوا أو غُـيَّبوا عن بعض السنن التي أرشد إليها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومن أهم هذه السنن: 1ـ السحور وتأخيره: وهذان أمران تركهما فيه تشبه بأهل الكتاب: أما ترك السحور كلية فقد حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا الترك فيه تشبُّه بمن كان قبلنا فقال: >فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر<(1)· فبعض الناس يترك السحور اعتماداً على أنه يصوم من دونه أو أنه يسبب له ألماً إذا أكل ثم نام، ولكننا نقول السحور سنة مهملة لأن بعض الناس يتركونه، ويتحقق العمل بهذه السنة ولو بجرعة ماء(2) بنية السحور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: >تسحَّروا فإن في السحور بركة<(3)، وعن المقدام بن معديكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >عليكم بهذا السحور، فإنه هو الغذاء المبارك<(4)· وأما تأخيره فهو أيضاً من السنن المهملة فإن من المستحب أن يؤخر إلى ما قبل الفجر، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: >تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت كم كان قدر ما بينهما؟ قال خمسين آية<(5)· 2 ـ تعجيل الفطر: فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أسباب ظهور الدين تعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب فقال: >لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون<(6)، قال ابن تيمية: >وهذا نص في ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى، وإذا كانت مخالفتهم سبباً لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر الدين كله، فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة<(7)، ولذلك يستحب للصائم أن يعجل الفطر متى تحقق غروب الشمس· 3 ـ السهر في طاعة الله: ومن السنن المهملة إهمال طاعة الله بعد الإفطار فبعضهم ما أن ينتهي من إفطاره حتى يجلس يفكر فيما يقضي فيه ليله من التسلية وتضييع الوقت في غير طاعة الله، وفي المدن الكبرى تكفيه النوادي والمسارح والخيام الرمضانية همّ التفكير في البحث عن هذه الملهيات عن طريق الإعلانات في الجرائد عن أشهر المطربين والمطربات والراقصين والراقصات، >ويعج المسرح ـ بالصائمين ـ الذين صاموا من قبل الرقص وبعده بلا حرج في صدورهم ولا تأثم ولا إحساس بالتناقض بين ما يجري في الليل وما يجري في النهار<(· وما ذاك إلا لانحصار مفهوم الصيام في أذهانهم في الامتناع عن الأكل والشرب في وقت الصيام وما بعد ذلك فلا حرج ـ عندهم ـ فمن الممكن أن يصوموا ثم يشاهدوا بعد الصيام ما نهوا عنه، فإنما العبادة ـ عندهم ـ قد انتهى وقتها بانتهاء الصيام في العشي، وإنما الصيام المقبول هو الذي يؤثر في صاحبه ويغير من سلوكه ويهذب من أخلاقه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه<(9)، وعن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر<(10)، وأما السنَّة فإنها في القيام بطاعة الله لينال هذا القائم غفران الذنوب >من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه<(11)، وعلى ذلك فالسهر في طاعة الله مستحب ومرغوب فيه، أما في غير الطاعة فمكروه، روى البخاري عن أبي برزة قال: >كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها<(12)· قال الإمام القرطبي: >هذه الكراهة إنما تختص بما لا يكون من قبيل القرب والأذكار وتعليم العلم ومسامرة الأهل بالعلم، وبتعليم المصالح وما شابه ذلك، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح ما يدل على جواز ذلك بل على ندبيته· وقد قال الإمام البخاري: >باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء وجعل باباً آخر عنوانه >السمر مع الضيف والأهل<(13)· وإذا جاز ذلك بالنسبة للأيام العادية فإنه أوكد في رمضان حين نعلم أن هناك قربات أخرى بعد العشاء كصلاة القيام والتهجد وقيام ليلة القدر، وقراءة القرآن وغيرها مما يجوز فعله بعد العشاء في رمضان في طاعة الله تعالى خلافاً للعاطلين والعابثين والفارغين· 4 ـ الأذان لتناول السحور ويقصد به إيقاظ الناس لتناول السحور· وقد خضع ذلك للعادات والتقاليد، وأهملت فيه سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك اختلفت فيه العادات من بلد إلى آخر، أما السنة فلا يختلف فيها، يقول ابن الحاج: >ففي مصر كان يقول المؤذن: تسحَّروا، كلوا واشربوا، وكذلك يكون بالطبل يطوفون به على البيوت مقابل أجر، وأما أهل الإسكندرية وأهل اليمن، وبعض أهل المغرب، فكانوا يسحّرون بدق الأبواب على أصحاب البيوت، وأهل الشام كانوا يسحرون بدق الطار >أي الدف<، وبعض أهل المغرب كانوا يضربون بالنفير على المنار، ويكررونه سبع مرات ثم بعده يضربون بالأبواق سبعاً أو خمساً<(14)· واختلاف العادات بهذه الطريقة يدل على بدع ومخالفة لأنه لو كان مشروعاً بهذه الطريقة لما اختلفت فيه عادات الناس وتقاليدهم، يقول ابن الحاج: >اعلم أن التسحير لا أصل له في الشرع الشريف ولأجل ذلك اختلفت فيه عوائد أهل الأقاليم<(15)· وأما السنَّة التي أهملها الناس في الأذان لإعلام الناس بوقت السحور، فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: أحدهما ـ بلال ـ كان يؤذن عند دخول وقت السحور، والآخر ـ هو ابن أم مكتوم ـ كان يؤذن عند دخول وقت الصلاة، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: >لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ـ أو ينادي ـ بليل ليرجع قائمكم ولينتبه نائمكم<(16)، ويقول أيضاً: >إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم<(17)، قال الشوكاني: >الحديث يدل على جواز الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الفجر خاصة، وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور مطلقاً<(18)· ويقول ابن حجر: >وادَّعى بعض الحنفية ـ كما حكاه السروجي منهم ـ أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيراً أو تسحيراً كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعاً، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان، فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولأن الأذان لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين وسياق الخبر يقتضي أنه خشى عليهم الالتباس<(19)· وبذلك يتبين ما ابتدعه الناس من طرق لإيقاظ الناس مخالفة للسنَّة محدث مجانب للصواب ينبغي تركه والعودة إلى سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ففيها الخير والبركة·
سما2000 المراقب العام
عدد الرسائل : 5444 العمر : 47 تاريخ التسجيل : 22/05/2008
موضوع: رد: سنن مهملة فى رمضان 29/09/08, 12:30 am
جزاك الله خيرا
خالد الاشموني مشرف
عدد الرسائل : 5477 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 09/05/2009